Website Logo

إذا أردتم طباعة هذا الملف فاحرصوا أن لا تلقوا الورقة في أماكن مستقذرة لوجود أسماء مُعَظّمة عليها

رحمةُ الله الواسعة وبيانُ أنَّ الإنسان يموتُ بأجَلِهِ

الحمدُ لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البَرِّ الرحيم والملائكة الْمُقرَّبين على سيدنا محمد أشرفِ المرسلين وحبيبِ رب العالمين وعلى جميعِ إخوانِهِ من النبيينَ والمرسلين وءال كُلٍّ والصالحين

وسلامُ الله عليهم أجمعين

يقولُ الله تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {61} وَيَجْعَلُونَ للهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ {62}[1].

إنَّ اللهَ سبحانَهُ وتَعَالى يُخبرُنا بأنَهُ لو ءاخَذَ الناسَ بظُلمهِم أي بكُفرِهِم ومعاصِيهِم مَا ترَكَ على الأرضِ مِنْ دَابَّة قطُّ ولأهلَكَها كلَّها بِشؤمِ الظالمين، يُروى عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه: ((إنَّ الحَبَارَى لَتموتُ في وَكرِها بظُلمِ الظالِم))، ويُروى عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه: ((كادَ الجُعَلُ يَهلِكُ في جُحرِهِ بذنبِ ابنِ ءادم))، وقال ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما ﴿مِن دَآبَّةٍ ﴾: ((أي مِنْ مُشرِكٍ يَدِبُّ عليها)).

﴿وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ﴾ أي يُمهِلُهُم بحلمِهِ إلى أجَلٍ ﴿مُّسَمًّى﴾ أي أجَلِ كُلِّ أحد أو وقتٍ تقتضيهِ الحِكمَة أو إلى القيامة، ﴿فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ يَدُلُّ على أنَّ أحدًا لا يموتُ إلا بانقضَاءِ أجلِهِ فإذا جاءَ وقتُ فنَاءِ أعمَارِهِم لَا يتأخرونَ عن ذلك ولا يتَقدَّمون، وقالَ الله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ[2] أي لكُلِّ أمةٍ وقتٌ معلومٌ للعذاب مكتوبٌ في اللَّوح فإذا جاءَ وقتُ عذابهِم لا يتقدَّمونَ ساعَةً ولا يتأخرون، ﴿فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ﴾ أي الوقتُ المعلومُ عندَ اللهِ عزَّ وجلّ لا يستأخِرونَ عنه ساعةً ولا أقلَّ مِنْ ساعة، فدَلَّ بهذا على أنَّ المقتولَ إنما يُقتَلُ بأجلِهِ وأجَلُ الإنسَانِ هوَ الوقتُ الذي يعلَمُ اللهُ أنه يموتُ فيه وهوَ وقتٌ لا يجوزُ تأخيرُ موتِهِ عنه، ﴿فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ﴾ أي أجَلُ موتِهم ومُنتَهى أعمارِهِم. ويقولُ اللهُ تعالى: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ أي مِنْ خيرٍ أو شرّ، وربّما كانت عازِمَةً على خيرٍ فعَمِلَت شرًّا وعازِمَةً على شرٍّ فعَمِلَت خيرًا، ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ[3] أي أينَ تَموت، ورُبّما أقامَت بأرضٍ وضرَبَت أوتَادَها وقالت لا أبرحُها فترمِي بها مرامي القدَر حتى تموتَ في مكانٍ لَم يَخطر ببالِها. رُوِيَ أنَّ مَلَكَ الموتِ مرَّ على سُليمان فجعَلَ ينظرُ إلى رجُلٍ مِنْ جُلَسَاءِهِ فقالَ الرّجُلُ: مَنْ هذا؟ قالَ لهُ: مَلَكُ الموت، قالَ كأنَّهُ يُرِيدُنِي وسألَ سليمانَ عليهِ السَّلام أنْ يَحمِلَهُ على الرّيحِ ويُلقِيَهُ ببلادِ الهندِ ففعَلَ ثمَّ قالَ مَلَكُ الموتِ لسُليمان: كانَ دوامُ نظري إليهِ تَعجُّبـًا منهُ لأني أُمِرتُ أنْ أقبِضَ روحَهُ بالهندِ وهوَ عندك.

يقولُ اللهُ تعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ للهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾ أي ما يَكرهونَهُ لأنفسِهِم مِنَ البنَات ومِنْ شُركاءَ في رياسَتِهِم ويجعلونَ لهُ أرذَلَ أموالِهم ولأصنامهِم أكرمَها، ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ﴾ أي ويقولونَ الكَذِبَ ﴿أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى﴾ أي عِندَ الله وهيَ الجنَّة وهوَ إنكارٌ عليهِم في دعواهُم والمعنَى يجعلونَ للهِ المكروه ويدَّعونَ مع ذلك أنهم يدخُلونَ الجنَّة، قال الزجّاج: ((معناه أنَّ لَهم مِنَ الله الجزاءَ الحسَن)) أي مَعَ جعلِهم للهِ ما يكرهونَ مِنَ البنات. ﴿لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ﴾ بمعنى مُقَدَّمونَ إلى النارِ مُعجَّلونَ إليها.

اللهم ارحمنا واهدنا وعافنا واعف عنا وسدّدنا يا أرحمَ الراحمين

والحمد لله رب العالمين



[1] – سورة النحل.

[2] – سورة يونس.

[3] – سورة لقمان.

 

Skip to content