Website Logo

إذا أردتم طباعة هذا الملف فاحرصوا أن لا تلقوا الورقة في أماكن مستقذرة لوجود أسماء مُعَظّمة عليها

قصة قوم لوط (۳)

الحمدُ لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البَرِّ الرحيم والملائكة الْمُقرَّبين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيبِ رب العالمين وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين وءال كُلٍّ والصالحين

وسلامُ الله عليهم أجمعين

 

يقولُ الله تعالى: ﴿فَاتَّقُواْ اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ {78} قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ {79} قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءاوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ {80} قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ {81} فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ {82} مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ {83}﴾[1].

 

إنَّ الله يُخبرُنا عن سيِّدنا لوط أنهُ قالَ لقومِهِ حينَ أرادوا الفاحِشَةَ بضيوفِهِ: ﴿أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ﴾ أي رَجُلٌ واحِدٌ يهتدِي إلى طريقِ الحقِّ وفِعلِ الجميل والكَفِّ عنِ السّوء.

 

﴿قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ﴾ أي حاجَةٍ لأنَّ نكاحَ الإناثِ أمرٌ خارِجٌ عن مذهَبِنا فمَذهَبُنا إتيانُ الذُّكران ﴿وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ عَنَوا إتيانَ الذُّكورِ وما لَهم فيهِ مِنَ الشَّهوَة.

 

﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءاوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ والمعنى: لو قَويتُ عليكم بنفسي لفعلتُ بكم ولصنَعتُ، أو أوَيتُ إلى قويٍّ أستندُ إليه وأتمنّعُ به فيَحمِيَنِي منكم، فشبَّهَ القويَّ العزيز بالرُّكنِ مِنَ الجبلِ في شِدَّتِهِ ومَنَعَتِهِ.

 

رُوِيَ أنه أغلقَ بابَهُ حينَ جاءوا وجعلَ يُرادُّهم ما حكَى الله عنه ويُجادِلُهم فتسوّروا الجِدار فلمَّا رأتِ الملائكةُ ما لَقِيَ لوط مِنَ الكَربِ {قالوا يا لوطُ} إنّ رُكنَكَ لشديد ﴿ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ﴾ فافتح الباب ودَعْنا وإياهم، ففتحَ البابَ فدَخلوا فاستأذنَ جِبريلُ عليهِ السَّلامُ ربَّهُ في عقوبَتِهم فأذِنَ له، فضَرَبَ بجناحِهِ وجوهَهُم فطَمَسَ أعيُنَهم فأعماهم كما قالَ الله تعالى: ﴿فَطَمَسْنَا أعيُنَهُم[2] فصاروا لا يَعرِفونَ الطريق فخرجوا وهم يقولون: النّجَاة النجاة فإنَّ في بيتِ لوطٍ قومًا سحَرة.

 

وقالَ الملائكةُ للوطٍ: إنَّ قومَكَ ﴿لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ﴾ لأنهم أي الملائكةُ إذا كانوا رسُلَ اللهِ فهم يحفظونَهُ بإذنِ الله ولن يُمَكّنوا أولائكَ مِنْ أن يَصِلوا إليه ويقدِروا على ضَرَرِهِ، ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ﴾ أي طائفَةٍ مِنهُ أو نِصفُهُ ﴿وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ﴾ أي لا ينظر إلى ما وراءَهُ أو لا يَلتَفِت بقلبِهِ أو لا يتخلَّف منكُم أحد، ﴿إِلاَّ امْرَأَتَكَ﴾ رُوِيَ أنه أخرَجَها معهُم وأمرَ أن لا يلتَفِتَ منهم أحدٌ إلا هي، فلمَّا سَمِعَت هَدَّةَ العذابِ التفَتَت وقالت: يا قوماه، فأدرَكها حجَرٌ فقتَلها. ورُوِيَ أنه أُمِرَ بأن يُخَلّفَها معَ قومِها فإنَّ هواها إليهم فلم يَسِرْ بها، ﴿إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ﴾ أي إنَّ الأمرَ أنه سيصيبُها ما أصابَهم، ورُوِيَ أنه قال لَهم: متَى موعِدُ هلاكِهم قالوا: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ﴾ فقالَ: أريدُ أسرعَ من ذلك، فقالوا: ﴿أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾.

 

﴿فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ أي جعلَ جبريلُ عليهِ السَّلامُ جَناحَهُ في أسفَلِها أي أسفَلِ قُراها ثُمَّ رفعَها إلى السَّماء حتى سَمِعَ أهلُ السَّماءِ نباحَ الكِلابِ وصِياحَ الِدّيكَة ثمَّ قلَبَهَا عليهم وأُتبِعوا الحِجارةَ مِنْ فوقِهم وذلك قولُهُ: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ﴾ أي طينٍ قال الرَّاغبُ: ((السّجّيلُ حجرٌ وطينٌ مُختَلِط))، ﴿مَّنضُودٍ﴾ أي مُتَتَابِع أو مَجمُوعٍ مُعَدٍّ للعذاب ﴿مُّسَوَّمَةً﴾ أي مُعلَّمَةً للعذاب، قيلَ مكتوبٌ على كلِّ واحدٍ اسمُ مَنُ يُرمَى به، ﴿عِندَ رَبِّكَ﴾ أي في خزائنِهِ أو بعلمِهِ، أو في حُكمِهِ، ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ أي بشَىءٍ بعيد، وفيهِ وعيدٌ لأهلِ مكّة فإنَّ جبريلَ عليهِ السّلامُ قال لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: ما مِنْ ظالِمٍ مِنْ أمّتِكَ إلا وهو بعَرْضِ حجرٍ يسقُطُ عليه مِنْ ساعةٍ إلى ساعة”، أو الضَّميرُ للقرى أي هي قريبةٌ مِنْ ظالِمي مكّة يَمُرُّونَ بها في مسايرِهِم.

 

اللهم اغفر لنا وارحمنا واعف عنا وقنا عذابك في الدّنيا والآخرة

يا أرحم الراحمين



[1] – سورة هود.

[2] – سورة القمر.

 

Skip to content