Website Logo

إذا أردتم طباعة هذا الملف فاحرصوا أن لا تلقوا الورقة في أماكن مستقذرة لوجود أسماء مُعَظّمة عليها

خلق الإنسان والجانّ – وأمر الملائكة بالسجودِ لآدم

الحمدُ لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البَرِّ الرحيم والملائكة الْمُقرَّبين

على سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيبِ رب العالمين، وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين

وءال كل والصالحين وسلامُ الله عليه أجمعين؛

يقولُ الله تباركَ وتعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسٰنَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ {26} وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ {27} وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ {28} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ {29} فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ {30} إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ {31} قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ {32} قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ {33} قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ {34} وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ {35}﴾[1].

إنَّ اللهَ تعالى يخبرنا بأنه خلَقَ ﴿الإِنسٰنَ﴾ أي ءادمَ ﴿مِن صَلْصَالٍ﴾ أي طينٍ يابِسٍ غيرِ مطبوخ ﴿مِّنْ حَمَإٍ﴾ أي طينٍ أسودَ مُتغيّرٍ ﴿مَّسْنُونٍ﴾ أي مُصَوَّر، أمرَ اللهُ مَلَكًا فجَمَعَ مِنْ جَميعِ أنواعِ ترابِ الأرض مِنْ أبيضِها وأسوَدِها وما بينَ ذلك، ومِنْ طَيّبِها ورديئِها وما بينَ ذلك، ومِن سَهلِها وحَزْنِها وما بينَ ذلك، فجاءَ بنو ءادمَ على قَدْرِ ذلك؛ منهُم الأسود ومنهُم الأبيض ومنهُم ما بينَ ذلك، ومنهُم حَسَنُ الخلُق ومنهُم سيىءُ الخلق إلى غيرِ ذلك. يقولُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله تعالى خَلَقَ ءادمَ مِنْ قَبضَةٍ قبَضَها[2] مِنْ جَميعِ الأرض فجاءَ بنو ءادمَ على قَدْرِ الأرض، جاءَ منهُم الأبيضُ والأحمرُ والأسود وبينَ ذلك، والسَّهلُ والحَزْنُ والخبيثُ والطيبُ وبينَ ذلك))[3]. فأخذَ المَلَكُ هذا التراب وصَعِدَ به إلى الجنّة وعَجَنَهُ بماءِ الجنّة فصَارَ طينًا فمَكَثَ فصارَ حَمَأً فخَلَصَ فصارَ سُلالةً، قال الرّاغِبُ في مُفرداتِه: ((مِنْ سُلالةٍ مِنْ طين: أي مِنَ الصَّفْوِ الذي يُسَلُّ مِنَ الأرضِ فصُوِّرَ ويَبِسَ فصَارَ صَلصَالاً))، وكانَ إبليسُ خُلِقَ قبلَهُ وكانَ يعبُدُ الله معَ الملائكة فصَارَ يدورُ حولَهُ ويقول: ((لأمرٍ ما خُلِقتَ)).

وأخبرنا اللهُ بأنه خَلَقَ ﴿الْجَآنَّ﴾ أي أبا الجنِّ وهو إبليس مِنْ قَبلِ ءادم، خلقَهُ الله ﴿مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾ أي مِنْ نارِ الحرّ الشَّديدِ النافِذِ في الْمَسَامّ.

وأخبرَنا سبحانهُ وتعالى بأنه أمرَ الملائكَةَ بأنهَ إذا “سَوّى” أي أتمَّ خِلقَةَ ءادم وهيأها لنَفخِ الرُّوحِ فيها وأمرَ المَلَكَ فنفَخَ فيهِ الرُّوحَ المُشرَّفةَ عندَ الله وهو معنى: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾ أما الله تعالى فلا يجوزُ وصفُهُ بالرُّوح ولا يُسمّى اللهُ روحًا لأنَّ الرُّوحَ جِسمٌ لطيف والله خالِقُ الأجسَامِ اللّطيفَةِ والكثيفة ولا يُشبِهُها بوجهٍ مِنَ الوجوه؛ ﴿فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾ أي اسجدوا له سجودَ تَحيَّة ﴿فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ {30} إِلاَّ إِبْلِيسَ﴾ فإنه لَم يسجد ولَم يكن مِنَ الملائكة ولكنَّهُ كانَ يعبُدُ اللهَ معَهُم، فَغُلِّبَ اسمُ الملائكةِ ثُمَّ استُثنِي إبليسُ بعدَ التَّغلِيبِ فإنه: ﴿أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ أي امتنَعَ أنْ يكونَ معهُم واستكبر، ويدُلُّ على أنه لَم يكن مِنَ الملائكةِ قولُهُ تعالى: ﴿كانَ مِنَ الجِنِّ ففَسَقَ عن أمرِ ربِّهِ[4].

﴿قَالَ﴾ أي الْمَلَكُ مُبَلِّغًا عنِ الله: ﴿يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ أي: أيَّ غَرَضٍ لكَ فِي إبائكَ السُّجود؟ ﴿قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ﴾ أي لا يَصِحُّ منّي أن أسجُدَ ﴿لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾.

﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا﴾ أي مِنَ الجنَّة ﴿فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ أي مطرودٌ مِنْ رحمَةِ الله ومعناهُ مَلعونٌ لأنَّ اللَّعنَةَ هي الطَّردُ مِنَ الرَّحمةِ والإبعادُ منها، ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ والمرادُ به إنكَ مَذمومٌ مدعوٌّ عليكَ باللّعنةِ في السَّمٰواتِ والأرضِ إلى يومِ الدّين مِنْ غيرِ أنْ تُعَذَّبَ في الدُّنيا ذلك العذاب، فإذا جاءَ ذلكَ اليوم عُذِّبتَ بِمَا يُنسَى اللّعنُ معه.

اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة واجعلنا من عبادك المرضيّينَ يا أرحم الراحمين

واستر عوراتنا وءامن روعاتنا واكفنا ما أهمنا وقِنا شرَّ ما نتخوّف

يا أكرمَ الأكرمين



[1] – سورة الحجر.

[2] – أي أمرَ الملَكَ أن يَقبِضَها.

[3] – رواهُ أحمدُ وابنُ ماجه والترمذيُّ والحاكمُ والبيهقيّ.

[4] – سورة الكهف.

 

Skip to content