Website Logo

  إن مما يجب التحذير منه كتاب “مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم لعبد القادر الحمصي الشاذلي” فانّه مذكور فيه كفريات مثل هذه الأبيات ونصّها:

واعلم أنّ الله عينُ العيان … وأجمعُ خلق الله في الوحدة

ما في إلا الله في الوجود … إسمع قول الله وارع الحدود

كذلك يجب التحذير من كتاب منسوب لابن عجيبة الشاذلي يسمّى “معراج التشوف إلى حقائق التصوف” فيه أنّ الله تعالى قد يسمّى عند الصوفية الخمرة وعبارته: أما الخمر فقد يطلقونها على الذات العلية لأن القلوب تغيب بها كما تغيب بالخمرة الحسية. وفيه أنّ شروط القطب خمسة عشر منها معرفة الله معرفة عيانية.

ومن الغلو القبيح ظنّ بعض جهلة المتصوفة أنّ الشيخ من المشايخ يجل عن الخطأ وهذا مخالف للحديث الشريف ولكلام الصوفية الصادقين، أما الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم: “ما من أحد الا يؤخذ من قوله ويترك غير رسول الله” رواه الحافظ الطبراني بإسناد حسن، وأمّا كلام الصوفية فقول الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه: “إذا علم المريد من الشيخ خطأ فلينبهه، فان رجع فذاك الأمر وإلا فليترك خطأه وليتبع الشّرع” قال ذلك في أدب المريد، وقال الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه: “سلم للقوم أحوالهم ما لم يخالفوا الشرع فاذا خالفوا فكن مع الشرع”، وكتب الصوفية بمثل هذا.

ومما يجب التحذير منه كتاب منسوب لرجل في الحبشة يدعى الشيخ نبراس ألف في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر فيه مؤلفه هذا الكلام والعياذ بالله من الكفر “اللهم صلّ على سيدنا محمد وزير الله الأعظم“.

ومما يجب التحذير منه ما في كتاب “تحفة المحتاج لشرح المنهاج” من أنّ الولي اذا قال (أنا الله) وأوّل بتأويل مقبول لا يحكم بكفره.

واعلم أن قوله “أنا الله” لا تأويل له بل هو كفر صريح، فأي إنسان يقول عن نفسه أنا الله فهو كافر إلا أنّه إذا خرج هذا الكلام من ولي مجذوب في حال غيبته لا يكفّر، لأنّ الولي في الغيبة غير مكلف وحكمه حكم المجنون حتى يعود إلى صحوته.

قال الشيخ يوسف الأردبيلي في كتابه “الأنوار لأعمال الأبرار” في كتاب الردة ما نصه “ولو قال أنا الله كفر”. وقد حصل من بعض الدجالين الذين يدعون التصوف والولاية أنّه كان يدخل على جماعة ويقول: “لا إله إلا أنا رب العالمين أغفر الذنوب” ليوهم الناس أنّه من أهل مرتبة خاصة، وهذا مغرور أوقع نفسه في الكفر وأوقع من وافقه على ذلك.

وقال الحافظ المجتهد تقي الدين السبكي في فتاويه “التأويل البعيد لا يُقبل”، وقال الجنيد سيد الطائفة الصوفية: “لو كنت حاكما لضربت عنق من سمعته يقول: “لا موجود إلا الله“.

واعلم أنّ ممّا يمتنع شرعا إطلاق بعضهم على الله تعالى: “الخمار والساقي وراهب الدير وصاحب الدير والقسيس وليلى ولبنى وسعدى وأسماء ودعد وهند والكنز الأكبر ونحو ذلك”، كذلك لا يجوز إجماعا ما يقوله بعض الغلاة من المتصوفة:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا … نحن روحان حللنا بدنا

وقول بعضهم:

تمازجت الحقائق بالمعاني … فصرنا واحدا روحا ومعنى

ومما ينبغي اجتنابه قول بعضهم “ما في الوجود إلا الله” وقولهم “إنّ الله في قلوب العارفين وإنّما الصواب أن يُقال “ما في الوجود في الأزل إلا الله، ومعرفة الله في قلوب العارفين“.

كذلك ممّا ينبغي تركه قول بعض المنتسبين إلى التّصوف: “حضرة الحق، وحضرة الله، وجناب الحق، وجناب الله” فقد منع العلماء منها كما ذكر ذلك الشيخ شهاب الدين الرملي صاحب حاشية كتاب “أسنى المطالب شرح روض الطالب” للشيخ زكريا الأنصاري وذلك لأن الحضرة المكان القريب، والجناب ما حول الشخص وهذا من صفات الأجسام، تعالى الله عز وجل عن ذلك.

ولا ذكر لهاتين العبارتين في كتب السادة الصوفية المعتبرين إنّما يستعملها بعض من ينتسب إلى التصوف من المتأخرين وتبعهم على ذلك غيرهم بدون تحقيق.

ومما يجب التحذير منه أيضا ما شاع عند بعض جهلة المتصوفة أنّ الأولياء والخواص لا حاجة لهم إلى علم الدين ولا إلى النصوص الشرعية بل يكفيهم الإلهام والفيوضات فالجواب ما ذكره الشيخ الفقيه يوسف الأردبيلي في كتابه “الأنوار لأعمال الأبرار” ونصه: “ولو قال: الله يلهمني ما أحتاج اليه من أمر الدين فلا أحتاج إلى العلم والعلماء فمبتدع كذاب يلعب به الشيطان” اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في شرح صحيح البخاري ما نصه: “ذهب قوم من الزنادقة إلى سلوك طريقة تستلزم هدم أحكام الشريعة فقالوا: إنّه يستفاد من قصة موسى والخضر أن الأحكام الشرعية العامة تختص بالعامة والأغبياء وأما الأولياء والخواص فلا حاجة بهم إلى تلك النصوص، بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويحكم عليهم بما يغلب على خواطرهم لصفاء قلوبهم عن الأكدار وخلوها عن الأغيار فتنجلي لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية فيقفون على أسرار الكائنات ويعلمون الأحكام الجزئيات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات كما اتفق للخضر فانه استغنى بما ينجلي له من تلك العلوم عما كان عند موسى، ويؤيده الحديث المشهور: “إستفت قلبك وإن أفتاك المفتون” رواه أحمد.

قال القرطبي: وهذ القول زندقة وكفر لأنه إنكار لما عُلم من الشرائع فإنّ الله قد أجرى سنته وأنفذ كلمته بأن أحكامه لا تُعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه المبينين لشرائعه وأحكامه كما قال تعالى: {الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس(75)} [سورة الحج] وقال: {الله أعلم حيث يجعل رسالته(124)} [سورة الأنعام]، وأمر بطاعتهم في كلّ ما جاؤا به وحث على طاعتهم والتمسك بما أمروا به فإن فيه ا لهدى، وقد حصل العلم اليقين وإجماع السلف على ذلك، فمن ادّعى أنّ هناك طريقا أخرى يُعرف بها أمره ونهيه غير الطرق التي جاءت بها الرسل يستغني بها عن الرسل فهو كافر يقتل ولا يستتاب، وهي دعوى تستلزم إثبات نبوة بعد نبينا لأنه من قال: “إنه ياخذ عن قلبه لان الذي يقع فيه هو حكم الله وإنه يعمل بمقتضاه من غير حاجة منه إلى كتاب وسنة” فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: “ان روح القدس نفث في روعي” أخرجه الحاكم في المستدرك.

وقال: وقد بلغنا عن بعضهم أنه قال: “أنا لا ءاخذ عن الموتى وإنّما ءاخذ عن الحي الذي لا يموت”، وكذا قال ءاخر: “أنا ءاخذ عن قلبي من ربي”، وكل ذلك كفر باتفاق أهل الشرائع ونسأل الله الهداية والتوفيق.

وقال غيره: من استدل بقصة الخضر على أن الولي يجوز أن يطلع على خفايا الأمور على ما يخالف الشريعة ويجوز له فعله فقد ضل، وليس ما تمسك به صحيحا فإن الذي فعله الخضر ليس في شىء منه ما يناقض الشرع، فان نقض لوح من ألواح السفينة لدفع الظالم عن غصبها ثم إذا تركها أعيد اللوح جائز شرعا وعقلا، ولكن مبادرة موسى للإنكار بحسب الظاهر، وقد وقع ذلك واضحا في رواية أبي اسحاق التي أخرجها مسلم ولفظه “فإذا جاء الذي يسخرها فوجدها منخرقة فتجاوزها فاصلحوها بخشبة” أخرجه مسلم في صحيحه، ويستفاد منه وجوب التأني عن الإنكار في المحتملات، وأما قتله الغلام فلعله كان في تلك الشريعة، وأما إقامة الجدار فمن باب مقابلة الإساءة بالإحسان” اهـ.

 

والحمدلله أولاً وءاخراً

Skip to content